بقلم جانلوكا بو وجيرجلي هايديغ
عدد الضحايا: قاعدة بيانات الوفيات الناجمة عن العنف على الصعيد العالمي
على الرغم من أن سنة 2020 ستظل مقترنة في الذاكرة العامة بالاضطراب الذي سببه كوفيد-19، إلا أنها كانت أيضا السنة التي شهدت أقل عدد من الوفيات الناجمة عن العنف خلال عقد من الزمان.
مع ذلك، تُظهر الأرقام الجديدة لعام 2021، الواردة في قاعدة برنامج مسح الأسلحة الصغيرة لبيانات الوفيات الناجمة عن العنف على الصعيد العالمي، ارتفاعا بنسبة ستة في المائة في العنف المميت مقارنة بعام 2020.
ولم يشهد العالم مثل هذه الزيادة منذ الذروة المشينة التي سُجلت سنة 2016، عندما تسببت الصراعات المدمرة في سوريا والعراق في قرابة خمس العدد القياسي للوفيات الناجمة عن العنف.
وتشير أحدث الأرقام إلى أن السعي إلى تحقيق الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة، وهو "الحد بدرجة كبيرة من جميع أشكال العنف وما يتصل به من معدلات الوفيات في كل مكان"، قد بلغ نقطة تحول قد تكون مرتبطة برفع القيود المتعلقة بجائحة الكوفيد.
منذ عام 2004، تسجل قاعدة بيانات الوفيات الناجمة عن العنف على الصعيد العالمي، التي يقع تحديثها سنويا، الوفيات المرتبطة مباشرة بالنزاعات، وجرائم القتل العمد، وحالات القتل أثناء التدخلات القانونية (أي المواجهات مع الشرطة) في 222 بلدا وإقليما، وتدمجها في مؤشر الوفيات الناجمة عن العنف.
وتصنَّف مجموعة البيانات حسب جنس الضحايا وآلية القتل، مع التركيز بشكل خاص على حالات القتل المرتكبة بواسطة الأسلحة النارية، كما هو محدد في أهداف الغاية 1.16. وفي كل عام، تقدم قاعدة بيانات الوفيات الناجمة عن العنف على الصعيد العالمي تقارير عن السنة المرجعية والسنوات الأربع السابقة، لتيسير التحديث بأثر رجعي.
وتشمل أرقام عام 2023 بيانات جديدة عن الوفيات الناجمة عن النزاعات وجرائم القتل التي وقعت في الفترة الممتدة من 2017 إلى 2021، فضلا عن حالات القتل أثناء التدخلات القانونية، والتي قُدّرت في الإصدارات السابقة لبيانات الوفيات الناجمة عن العنف في العالم، كنسبة ضئيلة من عدد جرائم القتل العمد. في إطار الشفافية ولتسهيل الاستشهاد، تخزَّن قاعدة بيانات الوفيات الناجمة عن العنف على الصعيد العالمي في سجل مفتوح للعموم مع معرف كائن رقمي.
اتجاه عكسي مثير للقلق
يكشف تحديث عام 2023 عن أن حوالي 580,000 شخص، من بينهم 92,000 امرأة وفتاة، لقوا حتفهم بشكل عنيف في عام 2021، مسجلا بذلك زيادة بنسبة ستة في المائة مقارنة بعام 2020.
وتعزى هذه الزيادة بشكل رئيسي إلى 27,000 حالة وفاة إضافية مرتبطة بنزاع، رفعت العدد الإجمالي إلى 131,000. وخلال الفترة نفسها، ارتفع عدد ضحايا جرائم القتل العمد بمقدار 7,000 ليصل إلى 371,000 ضحية.
حتى مع مراعاة النمو السكاني العالمي، فإن هذه الزيادة المقلقة حدت من انخفاض تدريجي استمر خمس سنوات منذ عام 2016، الذي شهد ارتفاعا بلغ 8,8 ضحية لكل 100,000 نسمة. وفي عام 2020، انخفض هذا الرقم إلى 7,0 ضحية لكل 100,000 نسمة، قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى 7,3 في عام 2021 (انظر الشكل 1).
الشكل 1. عدد الوفيات الناجمة عن العنف على الصعيد العالمي، مصنفة حسب المؤشر، 2004–2021
ملاحظة: مرر الماوس على الشكل للاطلاع على المزيد من المعلومات. انقر على مفتاح الشكل لعرض المؤشرات بشكل فردي.
التحولات الإقليمية في نسب العنف المميت
عند النظر إلى الأرقام، يمكن ملاحظة اختلافات واضحة بين المناطق. فمن عام 2020 إلى عام 2021، انخفض العنف المميت في أوروبا والأمريكتين بـ1500 و 6000 على التوالي. وشهدت أوقيانوسيا زيادة قدرها 100 حالة وفاة ناجمة عن العنف، ولكن الوضع في آسيا وأفريقيا كان الأكثر حدة، حيث ارتفعت الأرقام بـ 23,000 و 18,000.
كما كانت هناك اختلافات إقليمية صارخة من حيث جنس الضحايا وأساليب القتل (انظر الشكل 2). وعلى الرغم من أن عدد الإناث اللاتي وقعن ضحايا العنف المميت كان عموما أقل، فإن أوروبا سجلت أعلى نسبة من الضحايا الإناث في 27 في المائة من الحالات. وفي المقابل، سجلت الأمريكتان أقل عدد من الضحايا الإناث، بنسبة 11 في المائة من المجموع الإقليمي.
أما فيما يتعلق بأداة القتل، فإن أكثر من نصف حالات الوفيات الناجمة عن العنف في صفوف الإناث في الأمريكتين في عام 2021 كانت مرتبطة بالأسلحة النارية. ومن بين جميع جرائم القتل العمد في الأمريكتين، قُتل 75٪ من الضحايا بالأسلحة النارية، وهي نسبة تقابلها 13٪ في أوروبا.
الشكل 2. الوفيات الناجمة عن العنف مصنفة حسب الجنس وأداة القتل حسب المنطقة، 2021
ملاحظة: مرر الماوس على الشكل للاطلاع على المزيد من المعلومات. انقر على مفتاح الشكل لعرض المؤشرات بشكل فردي.
التصنيف دون الإقليمي
تكشف دراسة أنماط العنف المميت دون الإقليمية عن مزيد من المعلومات (انظر الشكل 3). سُجلت أكبر زيادة في عدد الوفيات الناجمة عن العنف بين عامي 2020 و 2021 في آسيا، التي يعاني غربها وجنوبها من الصراعات المستمرة. وكانت منطقة جنوب آسيا هي البقعة السوداء للوفيات الناجمة عن النزاعات (53٪) وجرائم القتل العمد (63٪). ولم يكن نمط إفريقيا مختلفا، حيث نشبت نزاعات في أربع من مناطقها دون الإقليمية الخمس، ولا سيما في غرب أفريقيا (38٪ من ضحايا النزاعات الإفريقية) وشرق إفريقيا (37٪).
في أوروبا والأمريكتين وأوقيانوسيا، كان عدد جرائم القتل العمد أكثر بكثير من الوفيات الناجمة عن النزاعات. واستأثرت كل من أمريكا الجنوبية والوسطى بنسبتي 48 و 32 في المائة من ضحايا القتل العمد في الأمريكتين.
وقعت ستة وسبعون في المائة من جرائم القتل العمد في أوروبا في أوروبا الشرقية، في حين وقعت 81٪ من جرائم القتل العمد في أوقيانوسيا في ميلانيزيا.
الشكل 3. الوفيات الناجمة عن العنف حسب المنطقة دون الإقليمية، مصنفة حسب المؤشر، 2021
ملاحظة: مرر الماوس على الشكل للاطلاع على المزيد من المعلومات. انقر على مفتاح الشكل لعرض المؤشرات بشكل فردي.
النزاعات التي تغذي العنف المميت
على الصعيد الوطني (انظر الشكل 4)، شهدت الوفيات المرتبطة مباشرة بالنزاعات ارتفاعا ملحوظا في معظم البلدان التي تعاني من نزاعات جارية. وسجلت ميانمار زيادة هائلة بنسبة 1600 ٪ بين عامي 2020 و 2021، تقابلها زيادة بنسبة 36٪ في أفغانستان خلال هجوم طالبان (أيار/مايو - آب/أغسطس 2021).
وتتغير الصورة إذا ما نظرنا إلى جرائم القتل العمد، التي ارتفعت في 52٪ من البلدان والأقاليم بين عامي 2020 و 2021. غير أن هذه النسبة كانت أقل في الأمريكتين (48٪) وأوقيانوسيا (37٪) وأوروبا (22٪)، في حين شهد 82٪ من البلدان الأفريقية و57٪ من البلدان الآسيوية ارتفاعا في جرائم القتل العمد.
تشير هذه الأرقام إلى أن هذه الأشكال من العنف المميت هي عموما أكثر شيوعا في حالات النزاع، حتى لو ظلت العلاقة بين الوفيات المرتبطة مباشرة بالنزاعات والقتل العمد غير واضحة.
الشكل 4. الوفيات المرتبطة مباشرة بالنزاعات والقتل العمد حسب البلد، 2020 و 2021
ملاحظة: مرر الماوس على الشكل للاطلاع على المزيد من المعلومات. استخدم الأزرار الموجودة في أعلى اليمين لتقريب الصورة وإبعادها. وانقر على المفتاح لعرض المناطق بشكل فردي.
منطقة الساحل وعدم بلوغ الغاية 1.16
إن احتمال تحقيق انخفاض كبير في العنف المميت على الصعيد العالمي بحلول عام 2030 لتحقيق الغاية 1.16 يتضاءل شيئا فشيئا. ففي البداية، كانت خطة عام 2030 ترمي إلى تخفيض الوفيات الناجمة عن العنف "بمقدار النصف" في جميع أنحاء العالم، أما الآن فقد تم تقليص هذا الهدف إلى "الحد بشكل كبير".
بين عامي 2015 و 2021، انخفضت معدلات الوفيات الناجمة عن العنف على الصعيد العالمي بنسبة ثمانية في المائة فقط، وهو اتجاه بدأ ينعكس حتى قبل اندلاع النزاعات المميتة الكبرى، مثل التي في أوكرانيا والسودان وغزة.
ولكن رغم الانتكاسة العامة، نجحت بعض المناطق، مثل غرب آسيا وشمال أفريقيا، في تخفيض معدلات الوفيات الناجمة عن العنف إلى النصف تقريبا بين عامي 2015 و 2021. ويرجع الفضل في ذلك بالأساس إلى انخفاض عدد الوفيات المرتبطة بالنزاعات.
في المقابل، شهدت المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، المتكونة من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، خلال الفترة نفسها، زيادة تُعادل النصف في نسبة العنف المميت، في ظل غياب الاستقرار في المنطقة، مع اتجاهات تصاعدية مماثلة في منطقة وسط أفريقيا الموسعة وأمريكا الشمالية (انظر الشكل 5).
الشكل 5. التفاوت في معدل الوفيات الناجمة عن العنف لكل 100,000 نسمة حسب المنطقة دون الإقليمية بين عامي 2015 و 2021 (بالنسبة المئوية)
ملاحظة: مرر الماوس على الشكل للاطلاع على المزيد من المعلومات.
تفاوت أنماط العنف
رغم أن الوقت لا يزال مبكرا جدا لإعلان النهاية الحتمية لانخفاض الوفيات الناجمة عن العنف بعد عام 2016، فإن التطورات في عام 2021 تنذر بتباين متزايد في أنماط العنف المميت في جميع أنحاء العالم.
فالهوة الجغرافية آخذة في الاتساع، مع تسبب النزاعات في ارتفاع واضح في الوفيات الناجمة عن العنف المميت. وتواجه مناطق الحرب العالمية، خاصة في آسيا وأفريقيا، حالة دائمة من عدم الاستقرار تحمل في طياتها تكلفة بشرية فادحة.
أما في الأمريكتين وأوروبا وأوقيانوسيا، فتبدو الصورة أكثر دقة، حيث أعلنت بعض البلدان عن تقلص الوفيات الناجمة عن العنف بفضل انخفاض جرائم القتل العمد، التي بدأت خلال تدابير الإغلاق الشامل المتعلقة بكوفيد-19 ولم تتوقف.
في ضوء الأحداث العالمية التي تلت ذلك، يمكن القول إن عام 2021 شهد انطلاق موجة متعددة السنوات من الوفيات الناجمة عن العنف، وهو واقع ستواصل بيانات الوفيات الناجمة عن العنف على الصعيد العالمي إثباته. لكن التفاوت الذي تظهره بيانات 2021 في أنماط الوفيات الناجمة عن العنف يبرز أن عدم الاستقرار السياسي وتفشي انعدام الأمن وحالات الطوارئ الإنسانية يحبطون التقدم نحو تحقيق الغاية 1.16.
إن المؤشرات المبكرة على احتمال حدوث ارتفاع مستقر في العنف على الصعيد العالمي، لا تخفيضه، تؤكد على الحاجة الملحة إلى بذل جهود دولية متضافرة لمنع وتخفيف آثار النزاعات وجميع أشكال العنف.
جيانلوكا بو هو أحد كبار خبراء البيانات في برنامج مسح الأسلحة الصغيرة، وجيرجلي هيديغ هو متخصص في عمليات المسح في برنامج مسح الأسلحة الصغيرة
أمكن إجراء البحوث اللازمة لإعداد هذه المدونة بفضل الدعم المالي المقدم من هولندا من خلال مشروع تقييم الأمن في شمال أفريقيا (سانا)، وكذلك من ألمانيا وسويسرا من خلال مشروع مراعاة منظور النوع الاجتماعي في الحد من التسلح.
وأمكن إجراء الترجمة العربية بفضل الدعم المالي الذي قدمه الاتحاد الأوروبي للمرحلة الثانية من مشروع الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية الذي يضطلع بتنفيذه كل من برنامج مسح الأسلحة الصغيرة (المنسّق) والإنتربول ومنظمة الجمارك العالمية (قرار مجلس الاتحاد الأوروبي 2021/1726 المؤرخ في 28 أيلول/سبتمبر 2021).
إن الغرض من المدونات هو أن تمكّن مختلف المساهمات والمساهمين والباحثات والباحثين في برنامج مسح الأسلحة الصغيرة من مناقشة المسائل المتصلة بالأسلحة الصغيرة والعنف المسلح، وهي لا تعكس بالضرورة آراء برنامج مسح الأسلحة الصغيرة أو جهاته المانحة.